ما هي الرسالة التي يتلقاها المصريون من قراءة الخبر التالي:
قالت مصادر مطلعة إن جهازا أمنيا لم تسمه كلف عددا من أعضاء مجلس النواب عن ائتلاف «في حب مصر» الذي خاض الانتخابات البرلمانية الأخيرة واستحوذ على الأغلبية، بإعداد قوائم لخوض المحليات لضمان تبعيتها للدولة.
وذلك خوفا من تسلل أعضاء تابعين لجماعة الإخوان أو أحزاب معارضة للنظام إلى قوائم المرشحين.
أضافت المصادر أن الجهاز الأمني طالب النواب بوضع ترشيحات القوائم على مستويات المحافظة والمدينة والمركز بشكل فردي من كل نائب على حدة، مشيرة إلى أن الأمر يتم في سرية تامة، وأن بعض النواب وضعوا ترشيحاتهم بالفعل وأرسلوها إلى الجهاز قبل أيام.
النص أعلاه كان جوهر الخبر الرئيسي لصحيفة «المصري اليوم» يوم ٢٧/١١،
وقد وقعت عليه حين طالعت الصحف المصرية على الطائرة المتجهة إلى تونس يومذاك.
واحتفظت بالعدد لغرابة الخبر ودلالته المخيفة.
ذلك أننا جميعا سمعنا عن الشائعات التي تواترت عن تدخل الأجهزة الأمنية في ترشيح نواب البرلمان، خصوصا ائتلاف دعم مصر الذي يمثل الأغلبية.
لكن الخبر المنشور أكد الشائعات واعتبر التدخل الأمني المؤدي إلى التحكم في أغلبية البرلمان شيئا عاديا.
ولم يخف أن الذين رتبوا أمر الانتخابات البرلمانية حرصوا على ذلك أيضا في الانتخابات البلدية. بحيث تصبح المجالس المنتخبة ممثلة للمؤسسة الأمنية وليست ممثلة للمجتمع وأن ادعت ذلك.
تلقيت صدمة أخرى حين طالعت الصحف المصرية على طائرة العودة يوم ٣١/١١،
ذلك أنني وجدت الصحف أبرزت على صفحاتها الأولى خبر الموافقة النهائية على مشروع القانون الكارثي الخاص بالجمعيات الأهلية.
وفجعت حين نشرت صحيفة «اليوم السابع» على صفحتها الأولى عنوانا اعتبر أن الموافقة على القانون بمثالة «انتصار تاريخي لـ٣٠ يونيو».
إذ لم أر في المشروع سوى أنه امتداد للخبر السابق باعتباره يعلن انتصار المؤسسة الأمنية وتحديها الصريح ليس فقط للحقوقيين الناشطين في الدفاع عن حقوق الإنسان،
وإنما أيضا لمشروع وزارة التضامن الاجتماعي الذي سبق إعداده في ضوء الحوار المجتمعي.
ذلك إلى جانب الازدراء بالمجلس القومي لحقوق الإنسان المعين من الحكومة، الذي أبدى عدة ملاحظات على المشروع وأرسلها إلى مجلس النواب، فلم يعن بها رئيس المجلس ولم يعرضها على النواب، إنما أجرى الموافقة النهائية عليه، وذكر أنه أخذ رأي مجلس حقوق الإنسان فيه.
الشاهد أن المشروع كان بمثابة انقضاض على المجتمع المدني وإعلان الحرب على منظمات حقوق الإنسان، وتكريس للشعار المخيف:
لا صوت يعلو فوق صوت الأمن،
الأمر الذي يعلن على الملأ نبذ فكرة الدولة الديمقراطية وتجاوز فكرة الدولة السلطانية والتمكين لسيادة الدولة الأمنية.
كان موجعا أيضا ومحزنا أن تنشر الصحف في اليوم نفسه خبر استدعاء النائب العام للدكتورة منى مينا للتحقيق يوم السبت (اليوم) في تهمة جرى التعسف في نسبتها إليها،
حيث جرى تصريح تليفزيوني لها حول إعادة استخدام إبر الحقن للمريض الواحد أكثر من مرة،
ولكن جرى تشويهه بحيث تم التلاعب في كلامها والإيهام بأنها قصدت إعادة الاستخدام بين المرضى،
ولم يكن هناك تفسير لذلك سوى أنه أريد الإيقاع بها وتأديبها، الأمر الذي ذكرنا بتصريح المستشار جنينة الذي تحدث عن رقم الفساد في عام واحد، ونسب إليه أنه قصد الفساد في أربعة أعوام ثم حوسب وعزل من منصبه وحوكم بناء على ذلك.
في شهر سبتمبر الماضي أصدرت الداخلية بيانا تحدث عن خلية إخوانية اتهمت بإشاعة التشاؤم في المجتمع، ولم نفهم المقصود بذلك في حينه.
لكننا نرى في الممارسات السابق ذكرها نماذج فادحة للإحباط والتيئيس تشيع بيننا ما هو أبعد من التشاؤم.
ذلك أنها بمثابة «خلايا نائمة» تدير مؤسسات الدولة، وتفعل بها ما فعلته الدبة بصاحبها في القصة الشهيرة. حين عمدت إلى قتله وهي تظن أنها تذود عنه وتحميه.