صحيفة السبيل الأردنيه السبت 5 صفر 1438 – 5 نوفمبر 2016 العابثون بالتفاؤل المنشود – فهمي هويدي
كلما أردنا أن نتفاءل لاحقتنا رسائل الإحباط والشك.
آية ذلك أننا تفاءلنا بقرب حل مشكلة مئات الشبان المحبوسين في السجون المصرية، بعدما أثير الموضوع أخيرا في مؤتمر الشباب بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي.
إذ تلقينا جرعة من التفاؤل حين اعتبرت الدعوة ضمن توصيات المؤتمر، أعقبتها جرعة أخرى أوحت بأن الأمر مأخوذ على محمل الجد.
وأن لجنة ستختص بمتابعة موضوع المعتقلين، ضمن اللجان الأخرى التي يفترض أن تشكلها الرئاسة لتنفيذ مختلف التوصيات.
إلا أن مؤشرات التفاؤل بشأن المعتقلين توقفت ثم بدأت في التراجع حين ظهرت أخبار تشكيل اللجنة الموعودة وبدأ الحديث عن حدود المهمة التي ستنهض بها.
وهو ما دعانا إلى إعادة قراءة التفاصيل بأعين أخرى.
تشكيل اللجنة لم يكن مطمئنا، من ناحية لأن أغلب أعضائها لا لهم علاقة بالموضوع.
ومن كانت له علاقة فإنه جاء من الباب الغلط.
أحدهم عين في المجلس القومي لحقوق الإنسان مكافأة له على دوره في حركة «تمرد».
والثاني رأس أخيرا لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب رغم أنه ضابط شرطة سابق، سبق اتهامه بتعذيب أحد المتهمين (شريط التعذيب موجود على «النت» حتى الآن).
وهناك ثالث كان عضوا في الحملة الانتخابية للرئيس السيسي
ورابعة صحفية لها كتابات ضد العفو عن المحبوسين، وقد جاءت ممثلة للمجلس القومي للمرأة.
أما رئيس اللجنة فهو مختص بالعلوم السياسية ومشتغل بالصحافة، وكل علاقته بالموضوع أنه تحدث عنه في مؤتمر الشباب، في حين بحت أصوات كثيرين طوال السنوات الأخيرة وهي تتبني القضية بمختلف عناوينها.
صحيح أنهم جميعا لهم علينا حق الاحترام كأشخاص.
لكنني أتحدث عن خبراتهم وصلتهم بمهمة اللجنة.
السبب الآخر لعدم الاطمئنان، أن تشكيل اللجنة تجاهل جهود المجلس القومي لحقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية، وأنشأ كيانا جديدا لبحث الموضوع، في حين أن المجلس المذكور ومنظمات المجتمع المدني قطعت منذ سنوات أشواطا بعيدة في تتبعه وبحثه. حتى صارت كل معلومات الملف تحت أيدى خبرائها، بحيث لم يعد الأمر بحاجة إلا إلى إصدار القرارات السياسية والتنفذية.
وعلى سبيل المثال فحين أثير موضوع المعتقلين في لقاء الرئيس السيسي بالمثقفين قبل ثلاثة أشهر، فإنه طلب إعداد قائمة بمن وقع عليهم الظلم ويستحقون العفو.
حينذاك أعد مجلس حقوق الإنسان قائمة ضمت ٦٠٠ اسم، ارفقت بها المعايير التي بني على أساسها ترشيح الأسماء التي توزعت في فئات خمس هي:
أصحاب الرأي ــ الصحفيون ــ المتظاهرون الذين لم يستخدموا العنف ــ المرضى ــ الذين تجاوزوا سن الثمانين.
أثار الانتباه في هذا الصدد أن صحيفة «المصري اليوم» بدأت حملة لمساعدة اللجنة الجديدة، وفتحت الباب لتلقي طلبات أسر المحبوسين، الموجودة بالفعل لدى مجلس حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية،
الأمر الذي يعني أنه بدلا من البناء على ما هو موجود فثمة اتجاه لإعادة البناء من الصفر.
مهمة اللجنة بدورها جاءت باعثة على الحيرة والبلبلة.
إذ أعلن أن دورها مقصور على بحث حالات المحبوسين احتياطيا، وهم أشخاص يجدد حبسهم بصفة دورية دون أن يوجه إليهم الاتهام.
وهؤلاء مصيرهم بيد النائب العام،
ثم هناك محبوسون تم اتهامهم في قضايا منظورة.
وهؤلاء مصيرهم بيد القضاء الذي ينظر في أمرهم.
وهؤلاء وهؤلاء لا يملك الرئيس أن يعفو عنهم بحكم القانون.
ذلك أن حقه في العفو مقصور على الذين صدرت بحقهم أحكام بالسجن.
وذلك ملف شائك مستبعد في الوقت الراهن.
ثم أن هناك ملفا آخر لم يرد له ذكر، يتعلق بوضع الذين أحيلوا إلى القضاء العسكري ولم يبت في أمرهم.
أما ملف المختفين قسريا الذين تحتفظ المنظمات الحقوقية بقوائم اسمائهم، فلم يرد له ذكر ولم يقترب منه أحد.
الشاهد أن التفاؤل الذي أشاعه طرح الفكرة بدأ في التراجع حين دخلنا في طور التنفيذ، الذي أرجو ألا يسلمنا إلى التشاؤم في نهاية المطاف
وفي هذه الحالة فإن المشكلة ستظل معلقة بلا حل. ثم إن وزارة الداخلية ستواجه موقفا حرجا للغاية،
ذلك أنها لن تستطيع اتخاذ أي إجراء إزاء الجهات المعنية التي أشاعت ذلك «المناخ التشاؤمي» ــ وهو الذي اتهمت به آخرين وأوقفتهم!