يسود الاعتقاد بأن وسائل الإعلام في اسبانيا مستقلة وممولة ذاتيا وبعيدة عن أي تأثير خارجي يتحكم في خط تحريرها أو في توجهات الصحافيين الذين يعملون بها. لكن الحقائق المتعلقة بهذه الموضوع صادمة ومثيرة، بالتالي فان ذلك الاعتقاد خاطئ، لأن هناك بالفعل مالكين وموجهين لمختلف وسائل الاعلام الاسبانية، من خارج مكاتب تحريرها، في شكل مقاولات تراقبها لتنفيذ سياستها الاقتصادية والمالية، وليس بالضرورة الاستقلالية المهنية.
مثل هذه المعلومات عادة لا يهتم بها القارئ، المستمع أو المشاهد، بل لا يجب أن يعرفها أو يطلع عليها، مع أنها موجودة دائما ويتم تحيينها على فترات متباعدة أو متقاربة، حسب المالكين والموجهين والمراقبين للصحافة الاسبانية وحسب تغيير أو تعديل يتم في هذا الاتجاه.
من آخر تحيين تم في هذا الصدد يتضح من خلاله بأن هناك تغييرات في النسب المئوية للملكية والأسهم لكثير من المقاولات الإعلامية، مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية 2011، ورغم ذلك فان مثل هذه المعلومات تتضمن معطيات معقدة، كما تقع بعض الصعوبات في معالجتها وضبطها، لهذا تتم المراجعة والتحيين كل سنة لتصحيح كل ما تم تغييره أو دخلته بعض الأخطاء.
لكن، بصفة عامة، فان التحيين يتضمن ثروة هائلة ومهمة من المعلومات والمعطيات حول مالكي وسائل الإعلام في اسبانيا والشركات المساهمة فيها والتي تراقبها عن كثب لتنفيذ التوجهات العامة التي تسير عليها، وهى في الأغلب اقتصادية ومالية، أكثر منها إعلامية. إلا أن هناك خطاطة عامة لهذه الحقيقة تم وضعها أواخر سنة 2010، ومع تسارع التغييرات في عالم اليوم المتسم بالجديد في التكنولوجيا والمصالح الاقتصادية والمالية المتشابكة، فانه تتم بعض الاندماجات والتغييرات في النسب المئوية للأسهم والشراكات، وهى عملية متواصلة ولا تتوقف.
في هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن كل مؤسسة إعلامية، سمعية، بصرية، رقمية أو ورقية، ورائها خريطة مقاولاتية معقدة، سواء لمالكيها المتحدين في كتلة أو مجموعة، أو بالنسبة لأخرى المنتمية إلى عدة مساهمين رئيسيين أو مقاولات تتحكم مباشرة في المؤسسات الإعلامية.
بدون شك، في هذا المشهد المركب، فان وسائل الإعلام تكون قوة ونفوذ كبيرين، نفوذ بالمعنى الواسع والقوى والعميق، وهذا أمر معروف، بالأخص لدى الشركات العملاقة وكذلك لدى السياسيين. لهذا تبدو الحاجة إلى الوضوح في السياسة الإعلامية لتكون المسؤولية في رقبة أحدهم ليتحملها، وهذا على الأقل ما يبدو بصفة عامة.
لكن، الأقوياء يهتمون بشراء المؤسسات القوية والمؤثرة، حيث يتمكنون من وضع سياسة أكثر قوة وتأثيرا على المتلقي في جميع الاهتمامات وعلى مختلف الجبهات، والتي يمكن بواسطتها قلب الحقائق والموازين مهما كانت. المهتمون والمتتبعون للشأن الإعلامي من داخل اسبانيا، يؤشرون على أن أهم وسائل التأثير هي شراء الإشهار، لأنه أفضل من شراء جريدة أو شراء صحافي.
في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن المعلنين الكبار في اسبانيا تتم معاملتهم بلطف ومرونة، كما تتم مهادنتهم بنعومة لأنهم يضخون أموالا طائلة في وسائل الإعلام مقابل الإشهار، الذي تمر عبره الكثير من الأمور الغريبة. وقد ظهرت في اسبانيا خلال السنوات الأخيرة حقائق مذهلة عن قضايا خاسرة كانت الصحافة تبرزها في صحة جيدة وأحوال سليمة، لأن كعكة الإشهار يسيل لها اللعاب وتسبب الدوخة، وفي بعض الأحيان، العمى والتواطئ.